السبت، 14 أغسطس 2010

الــروح (1)



بسم رب المستضعفين وقاصم الجبارين


قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} .


توجد عدة أبحاث في هذه الآية الشريفة .. لكن من أهم تلك الأبحاث .. هو أن الله سبحانه وتعالى بين وأجاب عن هذا السؤال الذي يدور ما هو الرّوح ؟ فقال بأنه من أمر الله .
لنسلط الضوء على هذا البحث القرآني اللطيف :-


أولا : الموجودات التي أوجدها الله تعالى تنقسم إلى قسمين :-
أ. موجودات خلقيه
ب. موجودات أمريه


كما أشار الله تعالى في كتاب: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}


والموجود الأمري : ذلك الموجود الذي لا يحتاج إلا أن تتعلق به الإرادة الإلهيه ليوجد كما أشارت الآية الكريمة إلى ذلك { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } .
والروح من هذه الموجودات ، فهو لا يحتاج إلى زمان و تدريج و تدرج ليوجد ، وإنما لمجرد أن تتعلق الإرادة الإلهيه بوجوده فإنه يوجد ، كما قال الله { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ }


تعرضت لهذا الموضوع .. لكي نتطلع إلى بعض أسرار ليلة القدر ، فجل أهتمامي لكي نبصر ونفهم بعض معاني هذه الآية المباركة { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } . ومن هنا حاولت أن أقف على معنى الرّوح ، ليتضح لنا لماذا ليلة القدر أكتسبت في المفاهيم القرآنية والمعارف القرآنية مثل هذه الكرامة والشرافة عند الله سبحانه وتعالى .


نكمل ..
ثانياً: ما هو الرّوح ؟
هناك احتمالات عدة قد تصل إلى سبع احتمالات .. لمعرفة ماهية الرّوح ! لكن نقتصر إلى الاحتمال السابع لنذكره وهو أن الرّوح موجود مستقل من موجودات هذا العالم ، ولكنه لكي يتضح المراد من هذا الاحتمال جيداً .. نحتاج أن نبدأ بمقدمة .


المقدمة :
حكمة الله تعالى اقتضت أن توجد الأشياء من خلال أسباب ووسائط ، فمثلا : لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يميت أحداً وهو قادر على الإماته لكنه وكّل بذلك ( ملك الموت ) كما قال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .
وهكذا في كل شؤون نظام هذا العالم ، الله سبحانه وتعالى أعطى الملائكة دوراً في تدبير هذا العالم ، لذا تجدون في القرآن الكريم حينما يصف الملائكة يطلق عليها بالـ المدبرات .. كما في الآية { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} . 
والإنسان إذا أراد أن يقف على دور الملائكة في هذا العالم ، فيمكنه الرجوع إلى الآيات التي تعرضت إلى ذلك وهي كثيراً جداً
كسورة الصافات .. وسورة المرسلات .. وسورة النازعات .. وهكذا ..


وهذا ليس عجزاً في القدرة الإلهيه ، بل هي حكمة اقتضاها الله تعالى .
وهنا يطول البحث في كيفية ادارة الملائكة .. ووصفهم .. وهذا ليس محل بحثنا ..


نعود إلى البحث :
ماهو الرّوح في القرآن؟ .. هو خلقٌ من خلق الله ، هذا الخلق كما تقول الروايات الصحيحه ، أعظم من جبرائيل وميكائيل ، ومن جميع المخلوقات .
كما في حديث الأمير عليه السلام : " أتى رجل إلى الأمير يسأله عن الرّوح أليس هو جبرئيل ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : جبرئيل من الملائكة ، والروح غير جبرئيل فقال : لقد قلت عظيماً من القول ، وما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل ، فقال الأمير : يقول الله { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ أنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ } " . إذا فالرّوح غير الملائكة .
والآيات منها كثيراً تؤيد هذا المعنى .


ثالثاً : ما هي وظائف هذا الرّوح ؟
نحن نعلم أن ( ملك الموت ) وظيفته قبض الأرواح ووظيفة ( أمين الوحي ) أنه ينزل الوحي على الأنبياء ،ووظيفة (إسرافيل) هو صاحب النفخة الأولى والثانية .. وهكذا .
إذن فماهي وظيفة الرّوح ؟
ج: أشار القرآن الكريم إلى وظيفة الرّوح وهي عديده
الوظيفة الأولى للروح : كما أن ( ملك الموت ) يقبض الأرواح ، أما ( الروح ) فهو يعطي الأرواح .
كما أن الملك الموت مظهر لاسم المميت لله ، فالرّوح هو مظهر لاسم المحي الله ، فهو يعطي الحياة .
والمقصود بالحياة : مبدأ الإحساس والحركة .
لذا تجد القرآن الكريم يشير إلى ذلك حينما يقول : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ، يعني نفخت فيه من الرّوح ونسبه الله إليه تشريفاً وكرامةً .


الوظيفة الثانية للروح : هي التأييد للمؤمن
فإن المؤمن إذا آمن وعمل الصالحات ، الله سبحانه وتعاله يؤيده بروح منه .
والتأييد يعني توفيقه وتسديده .
وهي تعطي قدرة إظافيه للمؤمن ليستطيع من خلالها أن يفرق بين الحق والباطل .
وأشار إليها القرآن { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } .


الوظيفة الثالثه للروح : أنه يؤيد الأنبياء والمرسلين .
إشارة من القرآن الكريم حينما قال الله : { وأيّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ } .


وهذه هي الوظائف الأصليه التي يعبر عنها القرآن الكريم .


ولكن ..
القرآن الكريم يعبر عن التأييد والتسديد بالـ(النور) كما أشار في هذه الآية {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
والآية {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ}
ولماذا يعبر القرآن عن هذا الرّوح بالنور ؟
لأنه لكي تميز الحق من الباطل فلابد لك من النور.


وهذا الموجود الذي هو ( الرّوح )  حينما يعطي النور يعطي الجميع على حد سواء ، لكن كل بقدرته واستعداده و إناءه أن يستلهم من هذا النور .


وهنا نقف .. لنكمل ما بدأناه إن شاء الله تعالى في التدوينة القادمة .

هناك 4 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    موضوع رائع جداً أخي الكريم حيدر،
    والسؤال الذي أوّد منْكَ التكرّم بإجابته،

    ( ما هي الإحتمالات التي وجدتها في الروح - السبعة - ) ؟
    فهذا الأمر يهمنّي بعض الشيء ..

    واستمر ..

    ردحذف
  2. الاحتمالات الـ7 هي :

    1. الروح هو جبرائيل
    2. القرآن
    3. روح الإنسان
    4. روح التأييد والتسديد للمؤمن
    5. الروح التي اعطاها الله لعيسى بن مريم
    6. التأيد والتسديد للأنبياء
    7. خلق مختلف ومستقل أعظم من جبرائيل وميكائيل

    طبعا لاختلاف العلماء في فهم الأيات .. اختلفوا في تعريف الروح .

    وكل احتمال له شاهد قرآني معين ..
    تريد اكتبلك الشواهد القرآنيه بعد ؟؟

    ردحذف
  3. جميل لو كتبت لي الشواهد القرآنية لهذه الإحتمالات السبعة،
    وشاكر لك هذا العمل ..

    ردحذف
  4. 1. الروح هو جبرائيل
    اشارت إليها الآية : {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}

    2. القرآن
    اشارت إليها الآية الكريمة { وكذلك اوحينا إليك روحاً من امرنا ما كنت تدري مالكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك تهدي إلى صراط مستقيم }

    3. روح الإنسان
    اشارت إليها الآية الكريمة {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}

    4. روح التأييد والتسديد للمؤمين
    {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الظلمات }

    5. الروح التي أعطاها الله لعيسى بن مريم
    {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}

    6. التأييد والتسديد للأنبياء
    {وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس}

    7. خلق مختلف ومستقل أعظم من جبرائيل وميكائيل .
    كما اشرنا في البحث بالإضافة إلى قول الله تعالى :{تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} - { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون } - {تنزل الملائكة والروح فيها }

    ردحذف