جلستُ وحدي على طاولة ، وبيدي كتاب أقرأ فيه ، ومع بعض التأمل والتركيز ، يأتي من يخرب عليّ خلوتي ، ويجلس أمامي ، ليسألني السؤال التالي !
عليٌّ يخلق ؟؟!!
فأطبقت الكتاب ونظرت إليه نظره لأتفحص جديته في النقاش ، فلم أر أي ملامح للجديه
فقلت: نعم .. يخلق ! وما المانع ؟؟
فقال : شرك شرك والله إنك لمشرك ،
فأقبلت إليه ، ومسكت يده ، وقلت له لا تنسى أن تغتسل لأني مرتد نجس !
فسحب يده من تحت يدي ، وصار ينظر بإزدراء ، وكأنه لم يعجبه قولي !
فقلت : إذا كنت لا تملك أخلاق النقاش ، فلا تناقش
فانضم إليه خمسة من أصحابه ، ثم قال لهم : إن صاحبكم يدعي أن سيدنا علي يخلق ؟
فألتفت إلي أحدهم ، وقال : أوتؤمن بالولاية التكوينة كما يؤمن السفهاء ؟
فقلت : بل أؤمن بها كما يؤمن العاقل الموحد لله !
فقال : كيف ذلك وهي منافية لكل أصناف التوحيد ؟
فقلت : أولا دعونا نتوقف قليلاً عند معنى الولاية التكوينة قبل أن اشرح لكم .
فماذا تعني الولاية التكوينية ؟
فوقفت ، ثم أشرت إلى أحدهم وقلت هات يدك !
فناولني يده ، فقلت له : من الذي حرك يدك ؟
فأجاب : أنا !
فقلت : ومن الذي حرك لسانك لتقول انا ؟
فأجاب : أنا !
وبان على وجهه الإستغراب
فقلت : أنت كاذب !!
فأحمر وجهه غيضاً وغضباً .
وأردفت قائلاً : فأنت إنسان لا تستطيع أن تدفع عن نفسك شر ( بعوضه ) فكيف تستطيع ان تفعل هذا ؟
بل كل هذا ( بقدرة من الله )
ثم جلست وتلوت الآية : { فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } .
فكل ما في الكون هو لله عز وجل ، لا نمتلك شيئاً .
لكن الله أعطانا القدرة للتصرف ببعض الاشياء في هذا الكون تصرفاً تكوينياً .
وفي هذه اللحظات ، قدم شخص لطالما أحببت أن أراه بجانبي دائما .
شخصية أعتز بكونه صديقاً لي ، يدعى ثائر .
رأيته وأنا أشرح للفتيه قدرتنا بالتصرف ببعض ما في الكون
فأشرت إليه أن أقبل ، ومن دون أن يشعر الفتيه قلت : أوترون !
بحركة يدي هذه ، وكلني الله بالتصرف فيها وهو تصرف كوني
فيدي ورجلي ولساني هي أشياء في هذا الكون .
إذن لي ولاية تكوينة على ( يدي )
لي ولاية تكوينة على أن أذبح شاة ، أو طيراً .!
حتى وصل صديقي ( ثائر) وانا أقول : فالولاية التكوينية أن الله تعالى سلطني على شيء في الكون أو تغيير في الكون .
ثم وبلا مقدمات ، شرع ثائر وهو يحادثني ، وبإسلوب ( إليكِ أعني واسمعي يا جارة )
وقال : أخي لا تنسى أن للولاية التكوينة درجات .
فألتفتُ إليه ، وقلت له : أحسنت ، فما هي الدرجات ؟
فقال : وهو ينظر مرة في عيني ومرة يعم النظر إلى الفتية الجالسين .
الدرجة الأولى : وهي لكل الناس
فكما كنت قد قلت للتو ، الأعمال التي نقوم بها هي ولاية تكوينية لكل الناس بل حتى للحيوان .
والدرجة الثانية : هي للأولياء .
ثم سكت لحظات وقال : هل تذكر القصه التي قلتها لي البارحة ؟
أن أحد العلماء أراد أن يزور الإمام علي عليه السلام فسافر مشياً على الاقدام من كربلاء إلى النجف ، وهو في الطريق رأه أحد المؤمنين في السيارة وهو خارج من كربلاء ماشياً إلى النجف ، والمعلوم أن مسافة الطريق تأخذ عادة يومان ، حتى وصل هذا المؤمن إلى حرم الإمام علي عليه السلام في ساعتين ودخل الحرم ، ففوجئ بوصول العالم !
فكيف استطاع هذا العالم أن يقطع مسافة يومان في ثوانٍ ؟؟
فقلت : هو أحد أولياء الله ويمتلك قدرة ( طي الأرض ) .
فقال : نعم وله ولاية تكوينية بشكل أوسع مما لدينا
والدرجة الثالثه : هي للأنبياء .
عيسى بن مريم مثلاً يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه من روحه .
فلقد حباه الله بالقدرة على التصرف في الكون أوسع من قدرة الأولياء .
وأما الدرجة الرابعة : فهي خاصة بالمعصومين الاربعة عشر .
وهي الولاية التكوينية المطلقة !
فوثب إليه أحد الجالسين وقال : يعني لا حدود لولايتهم التكوينيه .
فأشر إليه برأسه وقال : نعم ، فكل شخص له حدود في ولايته التكوينية إلا أهل البيت عليهم السلام فولايتهم التكوينية وتصرفهم في الكون ليس له حدود ، ويستطيعون أن يغيروا ما بالكون بكل صور التغيير .
فقلت : نعم ، هذه الولاية خاصة في المعصومين الأربعة عشر ، ولا يشاركهم فيها أحد
يستطيعيون أن يشيروا إلى القمر فينشق ، ويسطيعون أن يشيروا إلى شخص فتخرج روحه.. وهلم جراً .
فقاطعني أحدهم وقال : أوليس هذا شرك ؟
فقلت ما الشرك في هذا ؟
فقال : أن تقول أن أهل البيت عليهم السلام لهم القدرة في التصرف بالكون كما شاؤوا ، بل لو قلت أنهم يمتلكون دعوة مستجابة ، فيطلبون من الله اي شيء ، فيستجيب الله لهم . لكان هذا مقبولاً .
لكن أن يتصرفوا بالكون فهذا عين الشرك .
فضحك صديقي ( ثائر ) وقال : ليس هذا بالشرك !
النبي له دعوه مستجابه ، هذا صحيح ، وله ولاية أيضاً .
هو يتمكن أن يغني الفقير ، ويبرء الأعمى ويشفي الأبرص .ويخرج الروح من الجسد ، ويدخل الروح في الجسد .
ثم أكملت ما قاله صديقي ( ثائر ) : الله أعطاني قدرة أن أحرك يدي ، فهل سأقول إلهي حرك يدي ؟؟
الله أعطى القدرة إلى النبي عيسى بن مريم ، أن يخلق ، ولو تمعنت في الآية الكريمة ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ ) ولم يقل ، فأقول إلهي انفخ فيه من روحي .
فمن الذي نفخ في الطين من روحه؟
الجواب هو عيسى بن مريم ، ولكن بقدرة من الله عز وجل
هنا أقول لك : أن الله وهب هذه القدرة المطلقة لأهل البيت عليهم السلام في التصرف بالكون ، وهذا عين التوحيد ، وبعيد كل البعد عن الشرك !
ثم قال : إذا اسلمنا بما قلتهم ، فأين الدليل !
فأردت أن أجاوبه ، فقاطعني وقال : أريده من القرآن لو سمحت .
فقال له ( ثائر ) : أدله من القرآن ، ومن الأحاديث الشريفة المستفيضه .
فقلت : أما من القرآن الكريم .
فقال الله عز وجل ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين )
وتدبر ، فقد قال الله ( كل شيء ) ، وهذا يدل على المطلق العام .
وكما وردت في الروايات أنها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
إذن كل القدرات لأمير المؤمنين .
فأكمل ( ثائر) ماقلته بقوله : لماذا تذهب بعيداً ، الآية التي نقرها على الأقل في اليوم 10 مرات ،
(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) .
ومن الواضح أنها في رسول الله وأهل بيته عليهم السلام .
وهنا لم يبين الله النعمة التي انعم الله عليهم ،
فحذف المتعلق
وحذف المتعلق يفيد الـ.... ( وانتظر إجابتهم )
فقلت : يفيد الشمول والعموم
فقال : أحسنت ، يعني أن الله عز وجل أنعم عليهم بكل النعم
فسخر من كلامه أحدهم وقال : أي تناقض هذا ؟
فإذا كان الله أنعم على رسوله بكل النعم ، لماذا إذن لم يعمر رسول الله ، بل لماذا لم يمتلك مليون دينار .!
أوليست هذه من النعم ؟
فرد عليه ثائر بكل جرءه وقال : لو أعطيت ولدك 100 ألف دينار ليشتري بها كل مستلزمات زواجه ، فإذا سألك أحد ، ماذا أعطيت لولدك ؟
فسيكون الجواب : أعطيته كل شيء
وقلت : أحسنت ، لو أنك اعطيته ثمناً لشراء اثاث ، أو شريت له اثاث ، ففي كلتا الحالتين ، أنت أعطيته ، لأنك في الحالة الاولى جعلت له القدرة لشراء الأثاث ، وفي الحالة الثانية انت الذي أنعمت عليه بالأثاث .
فسكت .
رسول الله كذلك ، فقد وكل الله تعالى له الأمر وأعطاه القدره .
وأما عن الأحاديث المستفيضه ، فسيطول المقام بنا .،
لكن ، برواية صحيحه عندنا وبسند هو من أصح الاسانيد ، في زيارة لسيد الشهداء عليه السلام : " أرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتك " .
يعني : أقل ما يستفاد من هذه العبارة ( الولاية التكوينية المطلقة )
فوضع ثائر يده على منكبي وقال : قرأت اليوم رواية عن الإمام الحسين عليه السلام انه ذهب لعيادة مريض من أصحابه ، فلما دخل عليه الإمام طار المرض من بدنه ، فرأى تعجب صاحبه من هذا الأمر فقال له الحسين عليه السلام : والله ما خلق الله شيئاً إلا وأمره بالطاعة لنا .
ثم قال : لا تتأخروا فقد حان وقت الصلاة .
وهنا أنتهى النقاش .