الأحد، 29 أغسطس 2010

الــروح (4)


نكمل ما شرعنا بالبحث فيه .. ،

قال الله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) }


لنقف على هذه السورة الكريمة سورة القدر .. لنبدأ شرح ما يمكننا ان نشرحه وما يستوعبه وعاؤنا من آيات الله عز وجل ...، 
لذا ستكون السلسلة من الآن في سورة القدر وشرحها بالتفصيل ..،

بدايةً
هذه السورة تعد من السور الأساسية التي تحمل معاني عالية ومضامين مهمة في المعارف القرآنيه ، نحن عندما نراجع الآيات القرآنيه نجد أن اهل البيت عليهم السلام ، اكدوا على سور وآيات قرآنيه .. فمثلاً نجد أن أهل البيت عليهم السلام يركزون على آية الكرسي وورد منها معارف ومضامين وتأكيدات ، وكذلك ( شهد الله أنه لا إله إلا هو... ) وسورة يس .. وغيرها . فلذا ورد في الكافي في شأن سورة القدر وتفسيرها ، ورد عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال : " فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى ، على الخلق بعد رسول الله -ص - وإنها لسيدة دينكم ، وإنها لغاية علمنا " (1). ومن هنا تأتي الاهميه لأنه إمامنا الباقر جعلها الحجة علينا بعد رسول الرحمة ، وإن دل هذا على شيء ، فإنه يدل على أهميتها وغناها بالتعاليم والمعارف الإلهيه .
وفي رواية في نفس المصدر السابق ، عن مولانا الباقر عليه السلام : " فضل إيمان المؤمن بحمله إنا أنزلناه وبتفسيرها على من ليس مثله بالإيمان بها ، كفضل الإنسان على البهائم " (2) . هنا يتضح ان لهذه السورة وفهم تفسيرها حداً يميز الإنسان عن باقي الناس .. ومفارقته لهم بالعقل والتعقل كتشبيه الإمام لهذا الوضع .. بأنه كالإنسان على باقي البهائم .

لذا فهي مهمة لأن نشرح هذه السورة ..،
وأود الإشارة أيضا .. ان في بحثي في سورة القدر .، قد ارجع واكرر بعض ما بحثنا فيه من الأمور من اجل اتمام تفسير هذه السورة بالقدر الذي نتحمله ، وعلى الله التوفيق .
لا بأس أن نقف عند كل مفردة من مفراد هذه السورة المباركة ..،
 لذا سأبدأ بالمفردة (إنا) .. والبحث سيكون لماذا أتت هذه المفرده بـ(إنّا) وليس بـ(إنّي)..!
نجد أن القرآن الكريم في مواضع كثيره يعبّر بـ( إنّـــا ) كقوله تعالى في هذه السورة ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وقوله : ( إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركةٍ إنا كنا مُنذٍرين ) ... وآيات عديده .. حينما يريد الله ان يعبر حقيقة من حقائق هذا العالم يعبر بـ(إنا)
ولكن نجد تارة في القرآن الكريم حينما يريد الله أن يشير إلى فعل من أفعاله  كما اشارت هذه الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )
فــ لماذا القرآن الكريم يشير إلى فعل من أفعاله تارة يعبر بـ(إنا) ، وتارة بـ(إني)
طبعاً يوجد هناك نقاط أدبية ونحويه ، تفرق بين كلمة (إنا) وكلمة (إني)
ولكن أود الإشارة في البحث بالفرق بين المضمون أو المحتوى . ، وهذا لا يلغي الفرق الأدبي أو النحوي ، بل بالإضافة إلى الفروق الأدبية والنحوية ، هناك فروق مضمونية ومحتوائيه يجدر الإشارة بها والتمعن فيها فالقرآن كتاب معجز .

هناك ايضاحات من بعض أعلامنا في الفرق المضموني ، ولا أدعي أنها تنطبق 100% ، لكنها في الأعم يعتد بها .
افعال الله تعالى يمكن تقسيمها إلى قسمين :-
1. أفعال تصدر من الله تعالى بلا واسطه .
2. أفعال تصدر من الله تعالى بواسطة . 
كما ذكرنا ذلك في حلقة سابقة ، باسلوب آخر .،
على سبيل المثال : قبض الارواح او ( الموت )
تجدون الله يقول في آية قرآنية (  اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا 
وفي آية أخرى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) . 
انظروا إلى القرآن الكريم مع أنه ينسب فعل التوفي إلى الله سبحانه وتعالى ، ولكن مع ذلك نجد أنه وكل الله ملك الموت للقيام بهذه الوظيفة .
وايضا في الإحياء والرزق والإعطاء والمنع وهكذا أيضا ليس فقط في قبض الأرواح  ، حياتنا جرت على الأسباب كما ذكرت الرواية في أصول الكافي ذلك بالصريح عن الصادق عليه السلام انه قال : أبا الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب ، وجعل لكل شيء سبباَ .... "(3)
صحيح ان الله هو الرافع للعطش ، لكن عليك بأخذ الأسباب وهو ان تشرب الماء لترفع عن نفسك العطش ، وهكذا في باقي أمثلة حياتنا ،
إذن فالله تعالى له أفعال أعطى الإذن التكويني لا التشريعي وهو حق التصرف بنظام الكون ( بإذنه سبحانه ) .
فـإذا كان الأمر كذلك ، فالله يأتي ويخبر بذلك بكلمة ( إنّا ) .. يعني أن الفعل لا يصدر عنه مباشرة وإنما يصدر عنه بتوسط الأسباب .. 

على هذا الأساس .. نأتي إلى سورة القدر في هذه الآية الكريمة ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، يعني أن الفعل فعل الله بواسطة الملائكة ،
وبهذا يتضح لنا لماذا أنّ التعبير جاء بـ(إنّا) وليس بـ(إني)

وسنكمل الحديث عن مفردة ( أنزلناه ) في الحلقة القادمة ... فترقبوها
__________________
(1) : الكافي الجزء الأول باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر صفحة 247
(2) : نفس المصدر السابق .
(3) : الكافي الجزء الأول باب معرفة الإمام والرد عليه الحديث السابع

هناك 9 تعليقات:

  1. رائع هذا البحث أيضاً،
    قرأت في مفدرة (إنّا) أموراً عظيمة كتبها سماحة الشيهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره، في كتابة الجميل (خواطري عن القرآن) وهناك تشابه كبير فيما كتبت يا حيدر وما كتب السيّد،

    هنيئاً لك هذا العزم الجميل ..
    وعظّم الله لك الأجر في هذه الليالي الحزينة ..

    متابع ..

    ردحذف
  2. الأسبوع الماضي كنا نتدبر في سورة القدر مع الشيخ حسن البلوشي

    فعلا يتجلى القرآن الكريم بدقة معانيه وألفاظه

    التدبر في القرآن شيء رائع فعلا

    وفقك الله لما يحب ويرضى

    ردحذف
  3. أخي العزيز حسين المتروك ..

    اشكر متابعتك لمدونتي ، واشراقاتك فيها بالردود ، جزاك الله خير ، والشهيد السيد حسن الشيرازي أفقه مني وأعلم ، وكلامه أدق.. ،

    وعظم الله اجوركم أجمعين ..

    ردحذف
  4. أخي العزيز ( غير معرف ) ..

    كم الكويت بحاجة إلى امثال الشيخ حسن البلوشي ، وهو الآن بمثابة الأب الروحي للشباب المفكر الإسلامي في الكويت ، وكثيراً ما تعلمت منه ، وشجعني ... احبه .. وفعلا .. القرآن والكافي ، كنوز عظيمة والتدبر فيهم شيء رائع ..،

    قصة بدايتي في هذا الموضوع ، أنني هممت لأن ابدأ لكن لا اعرف من اين اكمل .. فقررت أن افتح كتاب الكافي الجزء الأول كما خيرة القرآن وإذا تخرج لي صفحة في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فعرفت ان هذا الكتاب يحمل اسراراً كبيره

    جزى الله شيخنا المحدث الكليني واسكنه جناته

    ______
    وأجوركم جميعاً

    ردحذف
  5. جداً مميز حجي حيدر :)

    بانتظار البقية

    ردحذف
  6. اشكرك اخوي يوسف على المرور والمتابعه ..،

    شجعتوني بمروركم ،

    ردحذف
  7. احببت اسجل متابعتي معكمـ

    ومتابعه مدونتكـ المريحه والقيمه من الوهله الاولى

    لي عودهـ اقرا بقيه السلسله التى فاتتني


    عظم الله لكـ الاجر بذكرى استشهاد الامام علي عليه السلام

    ونسالكـ الدعاء

    ردحذف
  8. جميل جداً ..

    التدبر في القرآن ضروري

    ردحذف
  9. اشكر مرورك ومتابعتكم ( نبراس علي(ع) )

    أجورنا واجوركم

    ردحذف