الأحد، 15 أغسطس 2010

الــروح (2)

 
نكمل ما شرعنا في بحثه ..
قلنا ..
أن الانسان يحتاج إلى مصباح أو ضياء .. لكي يميز الاشياء ويراها .. 
بعبارة قرآنية أخرى : لكي تفرق بين الحق والباطل لا تستطيع إلا بنور من الله كما اشارت الآية الكريمة : {وَمَن لَّمْ يَجْعَلً اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مًن نُّور } .

إذن النور للكشف عن حقائق الاشياء .. 
تارة قد تكون هذه الحقائق مادية وتارة أخرى تكون معنوية مثل : ( حق وباطل - طيب وخبيث - حسنه وسيئة ) وهذه تحتاج إلى نور إلهي .

هذا الموجود الذي عبر عنه الله تعالى باسم ( الرّوح )  عندما يعطي النور .. يعطي للجميع على حد سواء .. ولكن البعض يأخذ قليلا والبعض الآخر يأخذ الكثير كلٌ على حسب إنائه وقدرته على أخذ واستقبال هذا النور .
كما جاءت في سورة الرعد الآية الكريمة {  أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } . فالماء النازل من السماء ماله حجم ، لكن الحجم يأتي من الإناء الذي تضعه ، فإذا كان إناؤك كبير وواسع .. بقدر هذا الإناء يكون حجم الماء . وفي قول الله تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } . أي تتوزع الرحمة على الكل بالتساوي .. لكن تحدث المفارقه ، فواحد ياخذ من الرحمة 10 والآخر 100 ، وهذا لا يعتبر ضيقاً في الرحمة الإلهيه ، وكذا اشار { كلا نمده هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محضورا } والآية { ... عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} لكن نجد البعض لا يأخذ أي عطاء مع ان العطاء نازل من السماء كما ورد في الحديث لأن هؤلاء قلبوا إناءهم فصارت قلوبهم منكوسه ( المنكوسة قلوبهم ) .

إذن هذا الرّوح يعطي للجميع .. ولكن البعض يأخذ والبعض لا يأخذ .
وكلٌ بما أخذ يستطيع أن يضيء ما حوله .
فمثلا هذا يأخذ من النور 10 فيكشف ما حوله بمقدار هذا النور ، وذاك 100 فيكشف بدائرة أوسع ما حوله
والبعض بجهة مطلقة يأخذ النور ، فيكشف كل شيء . وذكرت ذلك الآية الكريمة { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .

إذن حينما قال الله تعالى { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } أي يسألونك عن الروح الذي هو : مبدأ الحياة في عالم الإمكان .
فالروح ليس مبدأ في عالمنا فقط ، بل حتى في عالم الملكوت - اي عالم الملائكة -

السؤال الذي نطرحه للبحث هنا ..

عرفنا أن الروح هو الذي يمد الحياة ويؤيد المؤمنين ، ويمد الأنبياء بالتسديد والتأييد .
فهل يؤيد أيضاً النبي الأكرم وأهل البيت أم لا ؟

والسؤال الثاني : فإذا كان يؤيدهم فماهي درجة التأييد هل هي مساوية لدرجة التي يعطيها لعيسى بن مريم أو أكثر من ذلك أو أقل ؟

هنا لننظر إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لنقف عليها:


"سألت أبأ عبد الله الصادق عن قول الله { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ما هذه الروح . قال : خلق من خلق الله تعالى عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده ."(1)

" سألته عن قول الله عز وجل { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } قال : مذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد -ص- ما صعد إلى السماء وإنه لفينا "(2) 

لاحظ هنا يتبين أن الروح الذي أنزل على الخاتم لم ينزل قبله .. ورواية أوضح من ذلك أذكرها

" قال : سمعت أبا عبد الله يقول : {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} . قال : خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو مع الأئمة يسددهم ،وليس كل ما طلب وجد ." (3)

هنا يتضح جيداً لنا ، أن الروح هو مبدأ الحياة لكل الوجود ، وهو الذي يفيض الحياة لكل المخلوقات .

وليكن في العلم: أن هذا الروح له درجات متعدده .
وأشار الأئمة أن الروح يؤيدهم منذ الولادة بدرجة .. وقبل أن نصل إلى مقام قبل الإمام فله درجة أعلى .. وحينما نصل إلى مقام الإمامة لنا الدرجة الأعلى والعلياوجاءت رواية من هذا المضمون " سمعنا أبي عبد الله يقول : يعرِف الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه " (4) .

نقف عند هذه الرواية التالية :
" رجل يأتي إلى الصادق عليه السلام . قال : سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره . فقال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالي جعل في النبي خمسة أرواح . جعل فيه روح الحياة فبه دبَّ ودرج ، وجعل فيه روح القوة فبه نهض وجاهد ، وجعل فيه روح الشهوة فبه أكل وشرب وآتى النساء ، وجعل فيه روح الإيمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة يا مفضل " (5) .

ونقف هنا لنستأنف هذا البحث إن شاء الله في تدوينة قادمة


____________________
(1):الكافي ج 1 ص 273
(2): نفس المصدر
(3): تفس المصدر
(4): الكافي ج 1 ص 275
(5) : الكافي ج1 ص 271

هناك تعليقان (2):

  1. بسم الله الرحمن الرحيم،
    مُتابع لهذه السلسلة التي تعجبني إلى الآن،

    - الرواية (3)، هل بتعليقك عليها، تعني بأنّ الروح خلق قبل نور النبي (ص)؟

    - ذكرتَ في الرواية الأخيرة المتواجدة في الكافي ج1 ص271، أنّ هناك خمسة أرواح للنبيّ، فهل هي أيضاً لدينا خمسة؟ أم نحن لا نمتلك كل هذه الأرواح، وفقط لدينا ميول ورغبات داخلية؟


    ،،

    شكراً على هذا البحث القرآني الجميل، ..

    ردحذف
  2. اشكرك على المتابعة أخي العزيز حسين مكي ..

    بالنسبة إلى السؤال الأول
    كان الكلام حول درجات التأييد والتسديد لهذا الروح .. فهي متدرجة

    فمنذ ولادة الإمام في عالم الدنيا .. فله درجة في التأييد كما أشار الحديث الشريف ذلك .. وإذا وصل إلى مقام الإمامه فله درجة العليا والمطلقة في التأيد

    لم يكن في موضوع الخلق .. :)

    أو إذا كنت تسأل عن ان الروح تنزل على النبي الأكرم .. فالجواب .. هو تنزل على النبي الأكرم أولاً يعني ولم يتنزل من قبله على أحد .. ربما يكون هذا في عالم الخلق الأول .. وربما يكون في عالم الدنيا .. لا أعلم

    السؤال الثاني
    نعم
    فكل الناس مشتركة في الأرواح الثلاثه الاولى روح الحياة وروح القوة وروح الشهوه بل حتى الحيوانات .. أما الروح الرابعة فيشترك فيه المؤمنون بروح الإيمان
    واما الخامسه فيشترك فيه الأنبياء والأئمة .


    عفواً .. :) والشكر مجدداً لك على متباعتك

    ردحذف