الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

الــروح (3)




نستأنف ما بدأنا به بحثنا ....

قال الله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) }

في هذه الحلقة .. نحاول أن نقف على بعض المضامين الأصليه لهذه السورة المباركة .. ولكنه حتى ترتبط هذه الأبحاث بعضها ببعض .. 
نذكركم .. ان القرآن الكريم حينما يعبر عن الروح في آيات متعدده { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } أو قوله تعالى : {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً} أو هذه الآية المباركة في سورة القدر { تنزل الملائكة والروح فيها }
قلنا بأن الروح في القرآن ملك الحياة كما أنه يوجد عندنا ملك الموت قابض الأرواح .. كذلك يوجد عندنا ملك الحياة معطي الأرواح وبينّا أن القرآن الكريم أعطى وظائف لهذا الروح ، كما تعلمون بأن الملائكة لها وظائف لتدبير هذا الكون ، ثم انتهينا بأن هذا الروح مع هذه العظمة موجود مع النبي الخاتم - ص - ومن بعده لأئمة أهل البيت عليهم السلام .

هناك رواية صحيحة السند ذكرناها عن الإمام الباقر عليه السلام حينما سئل عن الروح فقال : .. وهو فينا أهل البيت 
اي من هنا يتضح بأن الروح في القرآن الكريم ليس فقط مع النبي وأهل البيت بل هو جزءٌ منهم .

أي أن مبدأ الحياة موجود في النبي الأكرم وأهل البيت عليهم السلام بل هو جزء منهم .. إذن أي شيء وأي حي وأي تأييد مبدأؤه يكون النبي وأهل البيت عليهم السلام . وهنا تعرف مقام النبي من هذا الرواية 


الخبر رواه جابر بن عبد الله قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله : أول شئ خلق الله تعالى ما هو ؟ فقال : نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساماً ، فخلق العرش من قسمٍ والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ، ثم جعله أقساما فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم والجنة من قسم . وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجراء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ، ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ، ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين .
" (1)

من هذه الرواية يتضح لنا كيف أن الروح مبدأ الحياة وأن الرسول صلى الله عليه وآله مبدأ الوجود لأنه الروح جزء من الرسول -ص-

وأريد أن أشير إلى أنه حينما نذكر مقاماً لرسول الله - ص - ، فإنه بنفس الإمام علي عليه السلام .. إي أن هذا علي هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصريح القرآن إلا انه ليس بنبي فقط . 

لذا فعلي عليه السلام هو أيضا سر الوجود ومبدأها

وتقرأ في حديث الكساء:" فقال الله عز وجل : يا ملائكتـي ويا سـكان سماواتي، إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يـدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسـري إلا في محبة هؤلاء الخمسة، الذين هم تحـت الكساء، فقال الأمين جبرائيل : يا رب ومن تحت الكساء، فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعـدن الرسالـة، هم فاطمة وأبوها، وبعلهـا وبنـوها " وهذا الحديث يشرك أيضاً أهل البيت عليهم السلام في أنهم أيضاً روحي فداهم مبدأ الوجود والحياة .

وأذكر هذه الرواية للتأكيد أيضاً بأن أهل البيت عليهم السلام أصل استمرار هذا الخلق وهي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : لأي شئ يحتاج إلى النبي والامام ؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال الله عز وجل : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " وقال النبي صلى الله عليه وآله : " النجوم أمان لأهل السماء ، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون " يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عز وجل طاعتهم بطاعته فقال : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون الموفقون المسددون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين (2)

وهذا شيء واضح ، لو كان الماء غير موجود ، هل سيكون هناك حياة  ؟ لو تلاحظون أن الإنسان حينما يكتشف كوكباً أول شيء يبحث عنه هو الماء ، لانه سر وجود مخلوق ، كذلك الهواء ، فمقتضى حكمة الله أن وجود هذا العالم تقتضي وجود الإمام .. ومن هنا يتضح فلسفة وضروة وجود الإمام .. كما يتبادر إلى ذهن البعض أنه ما فائدة وجود إمامنا وهو غائب عنا ؟. 

وعند ذلك يتضح أننا حينما نقول عن أهل البيت عليهم السلام هذه المقامات وخصوصا عندما يرتبط بعلمهم . إنما هي حقيقة لا غبار فيها ولا شك . 

وفي مقام أمير المؤمنين عليه السلام..
أمير المؤمنين عليهم السلام حينما تقرأ له في نهج البلاغة وهو يتكلم عن نفسه .. حينها تعرف  من أمير المؤمنين !  فلا تقل لي ماذا قال ( جورج جرداق ) و ( سليمان كتاني ) و ( عبد الفتاح مقصود ) ؟! بل أنظر إلى الأمير ماذا يقول عن نفسه ؟، هؤلاء الذين يتصورون انه فيه مقدار من الغلو ، فلينظروا إلى من غالى في نفسه أولا !!
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : " سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلا أخبرتكم به "

وذكر المجلسي رواية في مقام أمير المؤمنين عليه السلام : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله . يا علي مثلك في أمتي مثل المسيح عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق : فرقه مؤمنون وهم الحواريون ، وفرقه عادوه وهم اليهود وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الايمان ، وإن أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق : ففرقة شيعتك وهم المؤمنون وفرقة عدوك وهم الشاكون ، وفرقة تغلو فيك وهم الجاحدون وأنت في الجنة يا علي وشيعتك ومحب  شيعتك وعدوك والغالي في النار ".(3)

لذا وجب أن أقف على معنى الغلو وفيم يتحقق الغلو ؟ فهل هذا الذي قلناه هل هو غلو أم لا ؟
لذا يجب أن ترجع إلى الروايات لتعرف الحقيقه ..
فأذكر هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : " الغلاة شر خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدعون الربوبية لعباد الله "
إذن يتضح من هذه الرواية أن مادمنا لا ندعي بربوبيتهم ، فنحن بعيدون عن الغلو .. 
لذا يتضح قول الإمام الصادق عليه السلام : " إجعلوا لنا رباً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم " (4)

وهنا نقف .. لنستأنف البحث في تدوينة قادمة قد تكون الأخيره لهذه السلسلة .. واشكر لكل من تابع هذه السلسلة .
_____________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج15 ص21
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج23 ص 19
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج25 ص264
(4) كشف الغمة ج1 ص197

هناك 6 تعليقات:

  1. بإنتظار، استكمال السلسلة ..
    فالموضوع شدّني ..

    وموفّق يا حيدر ..

    ردحذف
  2. السلام عليكم ومبارك عليك الشهر
    اسمحلي أخي الفاضل أن أعلق على جملة مما كتبت
    أمير المؤمنين عليهم السلام حينما تقرأ له في نهج البلاغة وهو يتكلم عن نفسه .. حينها تعرف من أمير المؤمنين !
    أحسنت أخي الفاضل فأصبت. ومهما نكتب ونسطر كتبا ومجلدات فلن نوفي أمير المؤمنين حقه, كل الكتب بما فيها نهج البلاغة وكل هذه الدلالات لا تحتاج الى تأويل ولا حتى تفكير بأن الامام علي (ص) هو أمير المؤمنين وخليفة الله ورسوله وهو أهل لذلك بشهادة الله تعالى في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة عن رسوله الأمين وأيضا بشهادة التاريخ أن الامام علي (ص) في كل الكتب التاريخية كان منفردا عن جميع الصحابة باستغنائه عن الكل واحتياج الكل اليه وكما قال الشاعر علي الحبيب "لا يمكن للانسان أن يهدم ما بنته السماء" مهما فعلوا ومهما حاربوا هذه الشخصية التي لطالما حيرت عقول المفكرين والفلاسفة وجعله الله سيفا للحق في وجه الظلم والذي قال فيه النبي (ص) " يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق"(1) وكما قال تعالى "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ" (2), فيكون أمير المؤمنين علي هو قسيم للجنة وللنار. لكن هل من قلب سليم, هل من منصف ينظر الى هذه القضية من دون تعصب ولا غشاوة.
    1. فتح الباري في شرح صحيح البخاري,ج1,ص60.
    2. النساء 145.
    سامحني أخي على الاطالة ولكن موضوعك جميل وهادف والجملة التي اقتبستها تركت أثرا في نفسي ولم أقدر أن أسكت وأكتم ما في نفسي في حق هذه الشخصية الفذة وفقك الله لما يحبه ويرضاه

    ردحذف
  3. سلسلة جميلة جداً...
    وفقك الله أخي الكريم...

    ردحذف
  4. حسين مكي المتروك

    تسلم على مروركم .. ومتابعتكم للسلسلة .. وتقبل مني هذه الورده (F) ..

    ردحذف
  5. أخي العزيز ( مرفأ )
    حياك الله في مدونتي المتواضعه .. بصراحه من حقك تتكلم وتتكلم فعلي العشق .. والحب .. ولا يمكن لأحد أن يجعل مصداً وسداُ لفيضان هذا العشق على لسانه .. وأوعدك بأني سأتكلم وأتكلم عن فضائل المولى علي عليه السلام في هذه المدونة إن شاء الله ..

    وشكراً على مروركم الكريم .. وتشجيعكم لي ..

    ردحذف
  6. غير معرف ..

    تشكر على مرورك الطيب .. ودمت بحفظ الله ورعاية الحجة ..

    ردحذف