عندما نريد أن نقف على معنى التنزيل ..،
في البداية ، حينما نأتي إلى هذه المفردة نجد أن هناك أبحاث متعدده ، ولكن أولاً يجب أن نعرف مرجع الضمير ( الهاء ) في قوله تعالى ( أنزلناه ) ، في الواقع لكي نعرف مرجع الضمير ، علينا أن نرجع إلى آيات أخرى ، لأن القرآن الكريم من أوله إلى آخره كلام لمتكلم واحد ، فإذا أردنا أن نفهم أجزاء كلام لمتكلم واحد ، فيجب أن نربط العبارات بعضها ببعض . كما جاء التأكيد ذلك في الأحاديث بأن القرآن يفسر بعضه بعضاً
لنلاحظ هذه الآية في سورة البقرة : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} .. هنا أقف لمعنى آخر ، بأن شهر رمضان له خصوصيه وهو شهر نزول القرآن الكريم فيه . ، ولكن يبقى السؤال هو ، هل نزل في جميع ليالي شهر رمضان أم في ليله واحده ، لذا فلنرجع إلى سورة الدخان في هذه الآية يتضح جواب سؤالنا حيث قوله تعالى : { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) } ، إذن فالقرآن الكريم نزل في ليلة واحده (ليلة مباركة) ، وحين نجمع الآيتين مع الآية الاولى من سورة القدر ، تتجلى لنا ماهية الليلة ، ويتضح بعد ذلك أن القرآن الكريم نازل في شهر رمضان في ليلة منه وهذه الليلة هي ليلة القدر .
النقطة الثانية هي ورود العبارة بالتنزيل ، وهذا يعطينا معنى بأن القرآن الكريم كان في موضع عالٍ ومن ذلك الموضع أُنزل إلينا ، ولو نرجع إلى سورة الحجر وقول الله تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } . فتتضح لنا حقيقه من أهم الحقائق القرآنيه ، وهي انه ما من شيء في هذا العالم ، إلا وله خزائن عند الله ، ومن هذه الخزائن يُنزل، ومن الناحيه اللغوية التنزيل يستلزم أن يكون الأمر في موضع عالٍ ، والقرآن الكريم أشار إلى الكثير من هذه الأمور في آيات مختلفه ، أشار إلى القرآن والحديد والأنعام .
وعندما نأتي إلى أوائل سورة الزخرف نجد قول الله تعالى {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} ومن هذه الآية يتضح صراحة بأنه عليّ أي من العلو .،
وهنا نقف وقفة أساسية عند هذه المعرفه والحقيقه التي أشارت إليها هذه الآيات من سورة الزخرف ،
أولاً عبرت أن القرآن له وجود بلسان عربي ، وله وجود في أم الكتاب ، وأنه في هذا العالم يفهم بنحو وفي ذاك العالم يفهم بنحو ، وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة .