الأحد، 14 مارس 2010

متاع الدين والدنيا





قال الإمام زين العابدين عليه السلام : ( ...
ومتعني بالاقتصاد ... ) دعاء مكارم الأخلاق .

حينما نبدأ في تدبر هذه الكلمة النورانية لمولانا زين العابدين عليه السلام .. علينا أولاً أن نبدأ بفهم كلمة المتاع .

فكلمة المتاع عند أهل البيت عليهم السلام مذكورة ... كما جاء أيضاً في
دعاء الفرج ( .. حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً .. ) .

فمالمقصود بمتاع أهل البيت عليهم السلام؟

لنعرج إلى الانسان ..
الإنسان بطبعه يحب الوصول إلى الكمال ولهذا جاءت الموازين في الإنسان الكامل .

فالمتاع عند الإنسان الكامل ينقسم إلى نوعين :
الدنيوي الحيواني ، والأخروري الروحاني .

ولا شك أن أهل البيت عليهم السلام .. لا يدعون من أجل تحقيق متاع الدنيا .. وإنما المتاع الأوفى والأعظم والأبقى .. المتاع الأخروي .

حيث ان المتاع الدنيوي .. فيه يكن التمتمع بـ ( الأكل - المعيشه - التكاثر .. إلخ ) .. وهذا ما تتسابق فيه البهائم .. وكما نعلم أن الإنسان لا يمكن أن يجاري الحيوانات في ذلك ولا يتفوق عليهم ، وحتى لو تفوق عليهم فهذا ليس مدعاة للمجاراة والتسابق فلا يعنيه ذلك شيئا .

إذن فيصفى أن يرى التمتع في المجال الأخروي وهو المحمود فعله .. فيكون التمتع الدنيوي مدخلاً إلى رؤية التمتع الأخروي .. فقد ترى الآيات .. تنطق بهذا المعنى حينما تقرأ (
أفلا ينظرون ... ) !
إذ أن النظر والتأمل والتفكير مداخل مباشره لانعاش الروح واسعادها .. وجعلها تتمتع بالمعاني ، فأهل المعنى يصلون إلى المتاع بالأمر ذاته .. أسرع من وصول غيرهم من خلال الوسائل الموصله لهذا المعنى .

فمثلاً : الذي يعرف جمال الله .. فيغمض عينيه زيشرد ذهنه في جماله ثم يفتحها فيرى سحاباً يمر من أمامه .. فتحرك السحاب المعاني في داخله من جديد لفرط جمال منظرها .. بينما الآخرون ينظر إلى السحابه .. ويذهله منظرها وليس بالضرورة توصله إلى جمال الله فقد يتوقف عند المنظر المبهت وحسب .

أما بقية الحواس والأحاسيس فهي وسائط .. عمل كوسيط بين التمتع الروحي والتمتع الدنيوي كما الأكل .. فإذا انشغل في الأكل ونسي الهدف يكون كالبهيم همه علفه وكما أشار إليها مولانا علي عليه السلام : (
من كان همه ما يدخل جوفه ، كانت قيمته ما يخرج منه ) .

إن المتاع إحساس ، فإما أن يكون الإحساس دانياً .. كما أسلفنا .. وإما أن يكون الإحساس عالياً .

وبما أن الدنيا مكدرةً فلن تصمد الأحاسيس الدانية امام كدرها .. وسيتفوق صاحب الأحاسيس العالية .. فيستمر السعادة والغنى لأن الغنى ملكة الملكات !

هنا ..
* ما يتميز به المتع الداني .. لا يتميز فيه الإنسان عن الحيوان فليس هذا مجال للتفاخر .. أما المتع العالي هو مجال التنافس (
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) .
* المتاع الداني تكدره المكدرات .. وهو أمر طبيعي مهما كان الإنسان ومكانته .. ومتاع العالي السامي لا تزيده المكدرات إلا صفاءً وذلك يتضح في حمد المؤمنين على البلاء .. لفرط معرفتهم بفوائد البلاء .
* المتاع الداني لا يضاهي ذرة من متاع الجنه .. حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت والمتاع العالي مجانس لنعيم الجنه التي تنعم فيها الروح . ناهيك عن أن المتاع الداني باقي ببقاء الجسد أو قابلية الجسد .. أما المتاع العالي فمخلد بخلود الروح!


___________________________

المقالة نشرت في مجلة (
شبابنا ) - العدد التجريبي (3)
لرؤية المجلة ( أضغط هنا )

الصورة من تصوير العم ( حبيب علي ) .

هناك تعليق واحد:

  1. عجبني تسلسل الموضوع و الربط بين الأفكار بشكل جميل يشد للقراءة و غير ممل...


    مقال جميل جداً :)

    ردحذف