الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

الــروح (5)



عندما نريد أن نقف على معنى التنزيل ..،
في البداية ، حينما نأتي إلى هذه المفردة نجد أن هناك أبحاث متعدده ، ولكن أولاً يجب أن نعرف مرجع الضمير ( الهاء ) في قوله تعالى ( أنزلناه ) ، في الواقع لكي نعرف مرجع الضمير ، علينا أن نرجع إلى آيات أخرى ، لأن القرآن الكريم من أوله إلى آخره كلام لمتكلم واحد ، فإذا أردنا أن نفهم أجزاء كلام لمتكلم واحد ، فيجب أن نربط العبارات بعضها ببعض . كما جاء التأكيد ذلك في الأحاديث بأن القرآن يفسر بعضه بعضاً

لنلاحظ هذه الآية في سورة البقرة : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} .. هنا أقف لمعنى آخر ، بأن شهر رمضان له خصوصيه وهو شهر نزول القرآن الكريم فيه . ، ولكن يبقى السؤال هو ، هل نزل في جميع ليالي شهر رمضان أم في ليله واحده ، لذا فلنرجع إلى سورة الدخان في هذه الآية يتضح جواب سؤالنا حيث قوله تعالى : { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) } ، إذن فالقرآن الكريم نزل في ليلة واحده (ليلة مباركة) ، وحين نجمع الآيتين مع الآية الاولى من سورة القدر ، تتجلى لنا ماهية الليلة ، ويتضح بعد ذلك أن القرآن الكريم نازل في شهر رمضان في ليلة منه وهذه الليلة هي ليلة القدر .

النقطة الثانية هي ورود العبارة بالتنزيل ، وهذا يعطينا معنى بأن القرآن الكريم كان في موضع عالٍ ومن ذلك الموضع أُنزل إلينا ، ولو نرجع إلى سورة الحجر وقول الله تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } . فتتضح لنا حقيقه من أهم الحقائق القرآنيه ، وهي انه ما من شيء في هذا العالم ، إلا وله خزائن عند الله ، ومن هذه الخزائن يُنزل، ومن الناحيه اللغوية التنزيل يستلزم أن يكون الأمر في موضع عالٍ ، والقرآن الكريم أشار إلى الكثير من هذه الأمور في آيات مختلفه ، أشار إلى القرآن والحديد والأنعام .

وعندما نأتي إلى أوائل سورة الزخرف نجد قول الله تعالى {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} ومن هذه الآية يتضح صراحة بأنه عليّ أي من العلو .،

وهنا نقف وقفة أساسية عند هذه المعرفه والحقيقه التي أشارت إليها هذه الآيات من سورة الزخرف ،
أولاً عبرت أن القرآن له وجود بلسان عربي ، وله وجود في أم الكتاب ، وأنه في هذا العالم يفهم بنحو وفي ذاك العالم يفهم بنحو ، وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة .

الأحد، 29 أغسطس 2010

الــروح (4)


نكمل ما شرعنا بالبحث فيه .. ،

قال الله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) }


لنقف على هذه السورة الكريمة سورة القدر .. لنبدأ شرح ما يمكننا ان نشرحه وما يستوعبه وعاؤنا من آيات الله عز وجل ...، 
لذا ستكون السلسلة من الآن في سورة القدر وشرحها بالتفصيل ..،

بدايةً
هذه السورة تعد من السور الأساسية التي تحمل معاني عالية ومضامين مهمة في المعارف القرآنيه ، نحن عندما نراجع الآيات القرآنيه نجد أن اهل البيت عليهم السلام ، اكدوا على سور وآيات قرآنيه .. فمثلاً نجد أن أهل البيت عليهم السلام يركزون على آية الكرسي وورد منها معارف ومضامين وتأكيدات ، وكذلك ( شهد الله أنه لا إله إلا هو... ) وسورة يس .. وغيرها . فلذا ورد في الكافي في شأن سورة القدر وتفسيرها ، ورد عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال : " فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى ، على الخلق بعد رسول الله -ص - وإنها لسيدة دينكم ، وإنها لغاية علمنا " (1). ومن هنا تأتي الاهميه لأنه إمامنا الباقر جعلها الحجة علينا بعد رسول الرحمة ، وإن دل هذا على شيء ، فإنه يدل على أهميتها وغناها بالتعاليم والمعارف الإلهيه .
وفي رواية في نفس المصدر السابق ، عن مولانا الباقر عليه السلام : " فضل إيمان المؤمن بحمله إنا أنزلناه وبتفسيرها على من ليس مثله بالإيمان بها ، كفضل الإنسان على البهائم " (2) . هنا يتضح ان لهذه السورة وفهم تفسيرها حداً يميز الإنسان عن باقي الناس .. ومفارقته لهم بالعقل والتعقل كتشبيه الإمام لهذا الوضع .. بأنه كالإنسان على باقي البهائم .

لذا فهي مهمة لأن نشرح هذه السورة ..،
وأود الإشارة أيضا .. ان في بحثي في سورة القدر .، قد ارجع واكرر بعض ما بحثنا فيه من الأمور من اجل اتمام تفسير هذه السورة بالقدر الذي نتحمله ، وعلى الله التوفيق .
لا بأس أن نقف عند كل مفردة من مفراد هذه السورة المباركة ..،
 لذا سأبدأ بالمفردة (إنا) .. والبحث سيكون لماذا أتت هذه المفرده بـ(إنّا) وليس بـ(إنّي)..!
نجد أن القرآن الكريم في مواضع كثيره يعبّر بـ( إنّـــا ) كقوله تعالى في هذه السورة ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وقوله : ( إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركةٍ إنا كنا مُنذٍرين ) ... وآيات عديده .. حينما يريد الله ان يعبر حقيقة من حقائق هذا العالم يعبر بـ(إنا)
ولكن نجد تارة في القرآن الكريم حينما يريد الله أن يشير إلى فعل من أفعاله  كما اشارت هذه الآية (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )
فــ لماذا القرآن الكريم يشير إلى فعل من أفعاله تارة يعبر بـ(إنا) ، وتارة بـ(إني)
طبعاً يوجد هناك نقاط أدبية ونحويه ، تفرق بين كلمة (إنا) وكلمة (إني)
ولكن أود الإشارة في البحث بالفرق بين المضمون أو المحتوى . ، وهذا لا يلغي الفرق الأدبي أو النحوي ، بل بالإضافة إلى الفروق الأدبية والنحوية ، هناك فروق مضمونية ومحتوائيه يجدر الإشارة بها والتمعن فيها فالقرآن كتاب معجز .

هناك ايضاحات من بعض أعلامنا في الفرق المضموني ، ولا أدعي أنها تنطبق 100% ، لكنها في الأعم يعتد بها .
افعال الله تعالى يمكن تقسيمها إلى قسمين :-
1. أفعال تصدر من الله تعالى بلا واسطه .
2. أفعال تصدر من الله تعالى بواسطة . 
كما ذكرنا ذلك في حلقة سابقة ، باسلوب آخر .،
على سبيل المثال : قبض الارواح او ( الموت )
تجدون الله يقول في آية قرآنية (  اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا 
وفي آية أخرى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) . 
انظروا إلى القرآن الكريم مع أنه ينسب فعل التوفي إلى الله سبحانه وتعالى ، ولكن مع ذلك نجد أنه وكل الله ملك الموت للقيام بهذه الوظيفة .
وايضا في الإحياء والرزق والإعطاء والمنع وهكذا أيضا ليس فقط في قبض الأرواح  ، حياتنا جرت على الأسباب كما ذكرت الرواية في أصول الكافي ذلك بالصريح عن الصادق عليه السلام انه قال : أبا الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب ، وجعل لكل شيء سبباَ .... "(3)
صحيح ان الله هو الرافع للعطش ، لكن عليك بأخذ الأسباب وهو ان تشرب الماء لترفع عن نفسك العطش ، وهكذا في باقي أمثلة حياتنا ،
إذن فالله تعالى له أفعال أعطى الإذن التكويني لا التشريعي وهو حق التصرف بنظام الكون ( بإذنه سبحانه ) .
فـإذا كان الأمر كذلك ، فالله يأتي ويخبر بذلك بكلمة ( إنّا ) .. يعني أن الفعل لا يصدر عنه مباشرة وإنما يصدر عنه بتوسط الأسباب .. 

على هذا الأساس .. نأتي إلى سورة القدر في هذه الآية الكريمة ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، يعني أن الفعل فعل الله بواسطة الملائكة ،
وبهذا يتضح لنا لماذا أنّ التعبير جاء بـ(إنّا) وليس بـ(إني)

وسنكمل الحديث عن مفردة ( أنزلناه ) في الحلقة القادمة ... فترقبوها
__________________
(1) : الكافي الجزء الأول باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر صفحة 247
(2) : نفس المصدر السابق .
(3) : الكافي الجزء الأول باب معرفة الإمام والرد عليه الحديث السابع

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

الــروح (3)




نستأنف ما بدأنا به بحثنا ....

قال الله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) }

في هذه الحلقة .. نحاول أن نقف على بعض المضامين الأصليه لهذه السورة المباركة .. ولكنه حتى ترتبط هذه الأبحاث بعضها ببعض .. 
نذكركم .. ان القرآن الكريم حينما يعبر عن الروح في آيات متعدده { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } أو قوله تعالى : {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً} أو هذه الآية المباركة في سورة القدر { تنزل الملائكة والروح فيها }
قلنا بأن الروح في القرآن ملك الحياة كما أنه يوجد عندنا ملك الموت قابض الأرواح .. كذلك يوجد عندنا ملك الحياة معطي الأرواح وبينّا أن القرآن الكريم أعطى وظائف لهذا الروح ، كما تعلمون بأن الملائكة لها وظائف لتدبير هذا الكون ، ثم انتهينا بأن هذا الروح مع هذه العظمة موجود مع النبي الخاتم - ص - ومن بعده لأئمة أهل البيت عليهم السلام .

هناك رواية صحيحة السند ذكرناها عن الإمام الباقر عليه السلام حينما سئل عن الروح فقال : .. وهو فينا أهل البيت 
اي من هنا يتضح بأن الروح في القرآن الكريم ليس فقط مع النبي وأهل البيت بل هو جزءٌ منهم .

أي أن مبدأ الحياة موجود في النبي الأكرم وأهل البيت عليهم السلام بل هو جزء منهم .. إذن أي شيء وأي حي وأي تأييد مبدأؤه يكون النبي وأهل البيت عليهم السلام . وهنا تعرف مقام النبي من هذا الرواية 


الخبر رواه جابر بن عبد الله قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله : أول شئ خلق الله تعالى ما هو ؟ فقال : نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساماً ، فخلق العرش من قسمٍ والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله ، ثم جعله أقساما فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم والجنة من قسم . وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجراء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ، ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ، ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين .
" (1)

من هذه الرواية يتضح لنا كيف أن الروح مبدأ الحياة وأن الرسول صلى الله عليه وآله مبدأ الوجود لأنه الروح جزء من الرسول -ص-

وأريد أن أشير إلى أنه حينما نذكر مقاماً لرسول الله - ص - ، فإنه بنفس الإمام علي عليه السلام .. إي أن هذا علي هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصريح القرآن إلا انه ليس بنبي فقط . 

لذا فعلي عليه السلام هو أيضا سر الوجود ومبدأها

وتقرأ في حديث الكساء:" فقال الله عز وجل : يا ملائكتـي ويا سـكان سماواتي، إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يـدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسـري إلا في محبة هؤلاء الخمسة، الذين هم تحـت الكساء، فقال الأمين جبرائيل : يا رب ومن تحت الكساء، فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعـدن الرسالـة، هم فاطمة وأبوها، وبعلهـا وبنـوها " وهذا الحديث يشرك أيضاً أهل البيت عليهم السلام في أنهم أيضاً روحي فداهم مبدأ الوجود والحياة .

وأذكر هذه الرواية للتأكيد أيضاً بأن أهل البيت عليهم السلام أصل استمرار هذا الخلق وهي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : لأي شئ يحتاج إلى النبي والامام ؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال الله عز وجل : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " وقال النبي صلى الله عليه وآله : " النجوم أمان لأهل السماء ، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون " يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عز وجل طاعتهم بطاعته فقال : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون الموفقون المسددون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين (2)

وهذا شيء واضح ، لو كان الماء غير موجود ، هل سيكون هناك حياة  ؟ لو تلاحظون أن الإنسان حينما يكتشف كوكباً أول شيء يبحث عنه هو الماء ، لانه سر وجود مخلوق ، كذلك الهواء ، فمقتضى حكمة الله أن وجود هذا العالم تقتضي وجود الإمام .. ومن هنا يتضح فلسفة وضروة وجود الإمام .. كما يتبادر إلى ذهن البعض أنه ما فائدة وجود إمامنا وهو غائب عنا ؟. 

وعند ذلك يتضح أننا حينما نقول عن أهل البيت عليهم السلام هذه المقامات وخصوصا عندما يرتبط بعلمهم . إنما هي حقيقة لا غبار فيها ولا شك . 

وفي مقام أمير المؤمنين عليه السلام..
أمير المؤمنين عليهم السلام حينما تقرأ له في نهج البلاغة وهو يتكلم عن نفسه .. حينها تعرف  من أمير المؤمنين !  فلا تقل لي ماذا قال ( جورج جرداق ) و ( سليمان كتاني ) و ( عبد الفتاح مقصود ) ؟! بل أنظر إلى الأمير ماذا يقول عن نفسه ؟، هؤلاء الذين يتصورون انه فيه مقدار من الغلو ، فلينظروا إلى من غالى في نفسه أولا !!
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : " سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلا أخبرتكم به "

وذكر المجلسي رواية في مقام أمير المؤمنين عليه السلام : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله . يا علي مثلك في أمتي مثل المسيح عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق : فرقه مؤمنون وهم الحواريون ، وفرقه عادوه وهم اليهود وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الايمان ، وإن أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق : ففرقة شيعتك وهم المؤمنون وفرقة عدوك وهم الشاكون ، وفرقة تغلو فيك وهم الجاحدون وأنت في الجنة يا علي وشيعتك ومحب  شيعتك وعدوك والغالي في النار ".(3)

لذا وجب أن أقف على معنى الغلو وفيم يتحقق الغلو ؟ فهل هذا الذي قلناه هل هو غلو أم لا ؟
لذا يجب أن ترجع إلى الروايات لتعرف الحقيقه ..
فأذكر هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : " الغلاة شر خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدعون الربوبية لعباد الله "
إذن يتضح من هذه الرواية أن مادمنا لا ندعي بربوبيتهم ، فنحن بعيدون عن الغلو .. 
لذا يتضح قول الإمام الصادق عليه السلام : " إجعلوا لنا رباً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم " (4)

وهنا نقف .. لنستأنف البحث في تدوينة قادمة قد تكون الأخيره لهذه السلسلة .. واشكر لكل من تابع هذه السلسلة .
_____________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج15 ص21
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج23 ص 19
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج25 ص264
(4) كشف الغمة ج1 ص197

الأحد، 15 أغسطس 2010

الــروح (2)

 
نكمل ما شرعنا في بحثه ..
قلنا ..
أن الانسان يحتاج إلى مصباح أو ضياء .. لكي يميز الاشياء ويراها .. 
بعبارة قرآنية أخرى : لكي تفرق بين الحق والباطل لا تستطيع إلا بنور من الله كما اشارت الآية الكريمة : {وَمَن لَّمْ يَجْعَلً اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مًن نُّور } .

إذن النور للكشف عن حقائق الاشياء .. 
تارة قد تكون هذه الحقائق مادية وتارة أخرى تكون معنوية مثل : ( حق وباطل - طيب وخبيث - حسنه وسيئة ) وهذه تحتاج إلى نور إلهي .

هذا الموجود الذي عبر عنه الله تعالى باسم ( الرّوح )  عندما يعطي النور .. يعطي للجميع على حد سواء .. ولكن البعض يأخذ قليلا والبعض الآخر يأخذ الكثير كلٌ على حسب إنائه وقدرته على أخذ واستقبال هذا النور .
كما جاءت في سورة الرعد الآية الكريمة {  أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } . فالماء النازل من السماء ماله حجم ، لكن الحجم يأتي من الإناء الذي تضعه ، فإذا كان إناؤك كبير وواسع .. بقدر هذا الإناء يكون حجم الماء . وفي قول الله تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } . أي تتوزع الرحمة على الكل بالتساوي .. لكن تحدث المفارقه ، فواحد ياخذ من الرحمة 10 والآخر 100 ، وهذا لا يعتبر ضيقاً في الرحمة الإلهيه ، وكذا اشار { كلا نمده هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محضورا } والآية { ... عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} لكن نجد البعض لا يأخذ أي عطاء مع ان العطاء نازل من السماء كما ورد في الحديث لأن هؤلاء قلبوا إناءهم فصارت قلوبهم منكوسه ( المنكوسة قلوبهم ) .

إذن هذا الرّوح يعطي للجميع .. ولكن البعض يأخذ والبعض لا يأخذ .
وكلٌ بما أخذ يستطيع أن يضيء ما حوله .
فمثلا هذا يأخذ من النور 10 فيكشف ما حوله بمقدار هذا النور ، وذاك 100 فيكشف بدائرة أوسع ما حوله
والبعض بجهة مطلقة يأخذ النور ، فيكشف كل شيء . وذكرت ذلك الآية الكريمة { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .

إذن حينما قال الله تعالى { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } أي يسألونك عن الروح الذي هو : مبدأ الحياة في عالم الإمكان .
فالروح ليس مبدأ في عالمنا فقط ، بل حتى في عالم الملكوت - اي عالم الملائكة -

السؤال الذي نطرحه للبحث هنا ..

عرفنا أن الروح هو الذي يمد الحياة ويؤيد المؤمنين ، ويمد الأنبياء بالتسديد والتأييد .
فهل يؤيد أيضاً النبي الأكرم وأهل البيت أم لا ؟

والسؤال الثاني : فإذا كان يؤيدهم فماهي درجة التأييد هل هي مساوية لدرجة التي يعطيها لعيسى بن مريم أو أكثر من ذلك أو أقل ؟

هنا لننظر إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لنقف عليها:


"سألت أبأ عبد الله الصادق عن قول الله { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ما هذه الروح . قال : خلق من خلق الله تعالى عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده ."(1)

" سألته عن قول الله عز وجل { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } قال : مذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد -ص- ما صعد إلى السماء وإنه لفينا "(2) 

لاحظ هنا يتبين أن الروح الذي أنزل على الخاتم لم ينزل قبله .. ورواية أوضح من ذلك أذكرها

" قال : سمعت أبا عبد الله يقول : {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} . قال : خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو مع الأئمة يسددهم ،وليس كل ما طلب وجد ." (3)

هنا يتضح جيداً لنا ، أن الروح هو مبدأ الحياة لكل الوجود ، وهو الذي يفيض الحياة لكل المخلوقات .

وليكن في العلم: أن هذا الروح له درجات متعدده .
وأشار الأئمة أن الروح يؤيدهم منذ الولادة بدرجة .. وقبل أن نصل إلى مقام قبل الإمام فله درجة أعلى .. وحينما نصل إلى مقام الإمامة لنا الدرجة الأعلى والعلياوجاءت رواية من هذا المضمون " سمعنا أبي عبد الله يقول : يعرِف الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه " (4) .

نقف عند هذه الرواية التالية :
" رجل يأتي إلى الصادق عليه السلام . قال : سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره . فقال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالي جعل في النبي خمسة أرواح . جعل فيه روح الحياة فبه دبَّ ودرج ، وجعل فيه روح القوة فبه نهض وجاهد ، وجعل فيه روح الشهوة فبه أكل وشرب وآتى النساء ، وجعل فيه روح الإيمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة يا مفضل " (5) .

ونقف هنا لنستأنف هذا البحث إن شاء الله في تدوينة قادمة


____________________
(1):الكافي ج 1 ص 273
(2): نفس المصدر
(3): تفس المصدر
(4): الكافي ج 1 ص 275
(5) : الكافي ج1 ص 271

السبت، 14 أغسطس 2010

الــروح (1)



بسم رب المستضعفين وقاصم الجبارين


قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} .


توجد عدة أبحاث في هذه الآية الشريفة .. لكن من أهم تلك الأبحاث .. هو أن الله سبحانه وتعالى بين وأجاب عن هذا السؤال الذي يدور ما هو الرّوح ؟ فقال بأنه من أمر الله .
لنسلط الضوء على هذا البحث القرآني اللطيف :-


أولا : الموجودات التي أوجدها الله تعالى تنقسم إلى قسمين :-
أ. موجودات خلقيه
ب. موجودات أمريه


كما أشار الله تعالى في كتاب: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}


والموجود الأمري : ذلك الموجود الذي لا يحتاج إلا أن تتعلق به الإرادة الإلهيه ليوجد كما أشارت الآية الكريمة إلى ذلك { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } .
والروح من هذه الموجودات ، فهو لا يحتاج إلى زمان و تدريج و تدرج ليوجد ، وإنما لمجرد أن تتعلق الإرادة الإلهيه بوجوده فإنه يوجد ، كما قال الله { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ }


تعرضت لهذا الموضوع .. لكي نتطلع إلى بعض أسرار ليلة القدر ، فجل أهتمامي لكي نبصر ونفهم بعض معاني هذه الآية المباركة { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } . ومن هنا حاولت أن أقف على معنى الرّوح ، ليتضح لنا لماذا ليلة القدر أكتسبت في المفاهيم القرآنية والمعارف القرآنية مثل هذه الكرامة والشرافة عند الله سبحانه وتعالى .


نكمل ..
ثانياً: ما هو الرّوح ؟
هناك احتمالات عدة قد تصل إلى سبع احتمالات .. لمعرفة ماهية الرّوح ! لكن نقتصر إلى الاحتمال السابع لنذكره وهو أن الرّوح موجود مستقل من موجودات هذا العالم ، ولكنه لكي يتضح المراد من هذا الاحتمال جيداً .. نحتاج أن نبدأ بمقدمة .


المقدمة :
حكمة الله تعالى اقتضت أن توجد الأشياء من خلال أسباب ووسائط ، فمثلا : لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يميت أحداً وهو قادر على الإماته لكنه وكّل بذلك ( ملك الموت ) كما قال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .
وهكذا في كل شؤون نظام هذا العالم ، الله سبحانه وتعالى أعطى الملائكة دوراً في تدبير هذا العالم ، لذا تجدون في القرآن الكريم حينما يصف الملائكة يطلق عليها بالـ المدبرات .. كما في الآية { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} . 
والإنسان إذا أراد أن يقف على دور الملائكة في هذا العالم ، فيمكنه الرجوع إلى الآيات التي تعرضت إلى ذلك وهي كثيراً جداً
كسورة الصافات .. وسورة المرسلات .. وسورة النازعات .. وهكذا ..


وهذا ليس عجزاً في القدرة الإلهيه ، بل هي حكمة اقتضاها الله تعالى .
وهنا يطول البحث في كيفية ادارة الملائكة .. ووصفهم .. وهذا ليس محل بحثنا ..


نعود إلى البحث :
ماهو الرّوح في القرآن؟ .. هو خلقٌ من خلق الله ، هذا الخلق كما تقول الروايات الصحيحه ، أعظم من جبرائيل وميكائيل ، ومن جميع المخلوقات .
كما في حديث الأمير عليه السلام : " أتى رجل إلى الأمير يسأله عن الرّوح أليس هو جبرئيل ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : جبرئيل من الملائكة ، والروح غير جبرئيل فقال : لقد قلت عظيماً من القول ، وما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل ، فقال الأمير : يقول الله { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ أنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ } " . إذا فالرّوح غير الملائكة .
والآيات منها كثيراً تؤيد هذا المعنى .


ثالثاً : ما هي وظائف هذا الرّوح ؟
نحن نعلم أن ( ملك الموت ) وظيفته قبض الأرواح ووظيفة ( أمين الوحي ) أنه ينزل الوحي على الأنبياء ،ووظيفة (إسرافيل) هو صاحب النفخة الأولى والثانية .. وهكذا .
إذن فماهي وظيفة الرّوح ؟
ج: أشار القرآن الكريم إلى وظيفة الرّوح وهي عديده
الوظيفة الأولى للروح : كما أن ( ملك الموت ) يقبض الأرواح ، أما ( الروح ) فهو يعطي الأرواح .
كما أن الملك الموت مظهر لاسم المميت لله ، فالرّوح هو مظهر لاسم المحي الله ، فهو يعطي الحياة .
والمقصود بالحياة : مبدأ الإحساس والحركة .
لذا تجد القرآن الكريم يشير إلى ذلك حينما يقول : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ، يعني نفخت فيه من الرّوح ونسبه الله إليه تشريفاً وكرامةً .


الوظيفة الثانية للروح : هي التأييد للمؤمن
فإن المؤمن إذا آمن وعمل الصالحات ، الله سبحانه وتعاله يؤيده بروح منه .
والتأييد يعني توفيقه وتسديده .
وهي تعطي قدرة إظافيه للمؤمن ليستطيع من خلالها أن يفرق بين الحق والباطل .
وأشار إليها القرآن { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } .


الوظيفة الثالثه للروح : أنه يؤيد الأنبياء والمرسلين .
إشارة من القرآن الكريم حينما قال الله : { وأيّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ } .


وهذه هي الوظائف الأصليه التي يعبر عنها القرآن الكريم .


ولكن ..
القرآن الكريم يعبر عن التأييد والتسديد بالـ(النور) كما أشار في هذه الآية {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
والآية {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ}
ولماذا يعبر القرآن عن هذا الرّوح بالنور ؟
لأنه لكي تميز الحق من الباطل فلابد لك من النور.


وهذا الموجود الذي هو ( الرّوح )  حينما يعطي النور يعطي الجميع على حد سواء ، لكن كل بقدرته واستعداده و إناءه أن يستلهم من هذا النور .


وهنا نقف .. لنكمل ما بدأناه إن شاء الله تعالى في التدوينة القادمة .